Header Ads


همس الجياد



" همس الجياد "
كارمن..
كان يرددها بنبرة ساخطة, جلس أمامها وقد تفحصها من رأسها لأخمص قدميها..
ثم أمسك بيديها ملمحاً لسبابتها المنقوشة بالحناء قائلاً:
ـ بيعجبني فيكِ إنك مهما حصل بتحبي تحافظي على ستايلك!
سحبت يدها سريعاً وأخرجت سيجارة, نفثت الدخان بحدة وهي تقول: ـ إزيك يا كريم..
كريم:
ـ سؤال غريب!
كارمن:
ـ لأ.. يعني قصدي مرتاح هنا؟
كريم:
ـ هو الأكل كويس بس الخدمة مش قد كده!
كارمن:
ـ بتتريأ؟
كريم:
ـ دي الإجابة الوحيدة على سؤالك.
كارمن:
ـ أنا كنت مسافرة, لسه راجعة من شهرين.
كريم:
ـ والله!!.. وكنتِ فين بقى؟!.. بتتفسحي مع خالد باشا؟!!
كارمن:
ـ كريم.. أنا وخالد اتطلقنا.
نظر لها ساخراً وتابع:
ـ بجد!!.. زعلتيني!.. ليه كده؟!.. ده إنتِ بعتِ كل حاجة علشانه, أبوكي وأخوكي.
كارمن بآسى:
ـ كريم.. أنا ما بعتكش.. أنا ما كنتش أعرف اللي خالد ناوي عليه.. صدقني أنا اتفاجئت.
كريم:
ـ وأنا كمان اتفاجئت, اتفاجئت يوم ما لقيته داخل عليا ومعاه عقود ملكية لأكثر من نص الشركة.. فاكرة ولا نسيتِ دي كمان!
لم تنس كارمن, بل كانت تغوص بذكرى كل ما حدث.. ليس فقط منذ زواجها بخالد.. لا بل من قبل ذلك بأعوام..
ربما حتى من قبل لقائهما الأول..
فقد بدأ الأمر بزواج فريدة ومختار..
************************
كما تجف قطرات الندى مع شروق كل صباح جديد جففت الأرملة فريدة دموعها سريعاً وانتبهت للتركة الثقيلة, تلك الأمانة التي حملتها بين ليلة وضحاها..
وأيضاً بين ليلة وضحاها تحولت فريدة لغنيمة, بذل مختار الغالي والنفيس للفوز بها..
كان مختار موظفاً مرموقاً بإحدى شركات زوجها الراحل, استطاع في فترة وجيزة كسب ثقة فريدة فأصبحت تعتمد عليه في كل شيء..
وفي خلال شهور قليلة تمكن الموظف الوسيم من عقلها وقلبها وكل ما تمتلك..
وتزوجت فريدة بمختار..
لم يتقبل خالد الزواج منذ أول ليلة, بل كان يشعر بالغضب يمزق ضلوعه خاصة عندما سافرت أمه وتركته لقضاء شهر العسل!!
مرت الأيام والجفاء يزداد بين خالد وفريدة والسبب مختار..
كان كلاهما كعدويين ينتظر كل منهما أقرب فرصة للقضاء على الآخر, غضب خالد من تحكمات مختار بكل ما يخصهم, وإصرار فريدة على جعله أب إجباري له بشتى السبل..
وعلى جانب آخر لم يتوانَ مختار عن مضايقة المراهق المتمرد رغبةً منه في كسر أنفه..
ومع مرور الأيام بدت الطباع السيئة لمختار في الظهور رويداً رويداً, خاصةً حبه للخمر وتعديه بالضرب على فريدة كلما عكرت صفوه كما إعتاد ان يقول لها..
كان صوت صراخها يمزق خالد إرباً وكاد مرة أن يمسك بسكين لقتله, ولكن ما كان يمزقه أكثر وربما يدمر كل القوى بداخله أصوات ضحكاتها ودلالها بعد أن يسرتضيها مختار بطريقته الخاصة!
ومرت الأيام ربما دون لون أو طعم أو رائحة..
كان خالد يقضي أغلب أوقاته خارج المنزل وود لو يستطيع المكوث مع عمته الوحيدة أملاً بحياة طبيعية..
وفجأة حدث شيء لم يكن بالحسبان, توفيت زوجة مختار الأولى وانتقل أولاده للمكوث مع خالد وأمه..
كريم وكارمن..
كانت كارمن الجميلة بنفس عمر خالد, تسلب لب كل من تقع عليها عيناه بشعرها الأحمر المتمرد وعينيها الزرقاوتين, ولكن خالد لم يعرها إهتماماً في البداية فهي بالنسبة له إبنة مختار وفقط!
وبعد مرور عام سافر كريم من أجل أن يُكمل دراسته بالخارج كما أراد والده.. فقد كان مختار يخطط أن يدير كريم بعد ذلك مجموعة الشركات الخاصة بخالد, خاصةً بعد أن أصبحت فريدة كالعجينة اللينة بين يديه يشكلها كيفما يشاء.. وأقنعها أن الأفضل لخالد دراسة الهندسة الزراعية لمتابعة الأراضي الزراعية الشاسعة التي يمتلكها أبيه ملمحاً, أن هذا أيضاً لم يكن بالقليل..
وسافر كريم..
وأصبحت العلاقة أكثر وداً بين كارمن وخالد..
أصبح خالد ونيسها الوحيد وبدأت العلاقة..
علاقة عشق محرم بين الجميلة والغاضب..
في أحد أيام الشتاء الدافئة كانت كارمن تجلس بجانبه بحديقة المنزل, كانت تبدو جميلة تحت ضوء الشمس الذي أعطى شعرها الأحمر وهجاً مميزاً.. نظرت نحوه بابتسامة عابثة وقالت:
ـ عاجبك لون شعري؟
خالد:
ـ أكيد.
كارمن:
ـ الناس حفظتني في الجامعة من أول يوم بسببه.
جذب يديها برقة وأخفاها داخل راحة يديه وتابع:
ـ بسببه هو بس!!
كارمن:
ـ خالد.. طنط تاخد بالها.
خالد:
ـ ما يهمنيش.
ابتسمت برضا وجذبها هو نحوه في ثقة لإختطاف قٌبلة.
كان خالد يرى في كارمن كل شيء..
ربما ما لا تراه هي, العبث, الجنون, الثقة, الرغبة!
وتركت هي نفسها لحبه..
كانت تشعر أن الحياة ضحكت لها وستظل كذلك, ستكلل قصة حبها مع خالد بالزواج وليس أي زواج..
فهي ستتزوج من سيجعل حياتها نعيماً ربما كالأميرات, مثل والدها وزواجه من فريدة..
وسعد خالد بلحظات المتعة التي اعتاد أن يسترقها مع كارمن في سكون الليل, وبلغت سعادته ذروتها عندما لمحه مختار في أحد الليالي وهو يخرج عاري الصدر من غرفة كارمن عندها فقط شعر بالإنتصار..
لم يشعر بقوة اللكمات الموجهة إليه, بل إن الدماء التي سالت من فمه كانت بطعم العسل..
كان يشعر بالسعادة بالرغم من نحيب أمه, وصراخ كارمن..
ولكن أجمل ما في تلك الصورة كانت شرارة الغضب التي تبرق داخل عيني مختار!!
وبعدها كان قرار مختار سريعاً, وأذعنت فريدة لأمره..
ففي النهاية خالد قد ارتكب خطيئة لا تغتفر..
ورحل خالد عن منزله..
مكث مع عمته بعيداً ولم يكن يحادث والدته إلا قليلاً, فأصبح غريباً عن ما يمتلك..
وبعد مرور عامان كان مختار قد نفذ خطة وضعها بإحكام, وفوجئ خالد بإتصال من والدته تطلب منه العودة للمنزل سريعاً..
كانت باكية, انطلق للمنزل مسرعاً غاضباً وهناك كانت تجلس فريدة في انتظاره, دخل خالد للمنزل وهو يجول ببصره باحثاً عن مختار ويقول: ـ حصل ايه؟
فريدة:
ـ طيب.. أقعد وأنا حافهمك.
خالد:
ـ تفهميني إيه؟.. ايه اللي حصل؟.. ومختار عمل ايه؟..
فريدة باكية:
ـ سامحنى يا ابني.. مختار ضحك عليا!
خالد:
ــ إنتِ بتقولي ايه!
فريدة:
ـ مختار خلاني أمضي على شيكات بدون رصيد, وبيهددني يا نتنازل ليه عن الشركة يا حيبسني!!
خالد:
ـ إيه!.. مش فاهم.. وإنتِ ما عندكيش رصيد في البنك؟!!
فريدة:
ـ أصلي سحبت الفلوس كلها علشان الشركة كانت محتاجه سيولة!
خالد:
ـ إيه!!.. حرام عليكِ.. حرام عليكِ.
فريدة:
ـ الحيوان بان على أصله, أمك حتتحبس يا خالد!
كانت كلماتها كالصاعقة..
فمختار لم يسرق أمه وحياته وسعادته فقط, بل يسرق أمواله وبفجور.. كان يشعر بالغضب, بالحيرة, بالضعف..
ولكنه بدا قوياً كالصخرة وعلى الرغم من صغر سنه شعر بالمسؤولية, بالرجولة, نظر لها بثقة وتابع:
ـ موافق بس بشرط.
فريدة:
ـ شرط إيه؟
خالد:
ـ تطلقي منه فوراً.
وهكذا خرج مختار غانماً من حياة فريدة, ولم يتبقى لخالد من شركات أبيه سوى فرع صغير بالإسكندرية والفرع الآخر بأمريكا الذي كان يديره كريم وكبده خسائر فادحة..
واستطاع خالد استلام باقي تركته بعد بلوغه سن الرشد, وسافر للولايات المتحدة حتى يتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه بفرع الشركة هناك وإستكمال دراسته أيضاً..
ولكن بعد شهور قليلة من سفره تزوجت فريدة مرة أخرى!
نعم مرة أخرى..
وتلك المرة من شاب يصغرها بأعوامٍ عديدة بل شاب في مثل سنه!!..
كانت صدمة زواجها تلك المرة ربما أقوى من صدمته الأولى, فقد أعادت الكرة رغم كل ما حدث ولم تبالِ بشيء...
ولن تبالي بشيء سوى فريدة..
وكارمن لا تبالي سوى بكارمن..
ومارجريت التي تزوجها بعد زواج أمه بأيام لا تبالي سوى بمارجريت..
ومرت الأيام وقرر خالد العودة لمصر وبدء مشروعه الذي طالما حلم به منذ سنوات, وساعده صديقه حسن على اتمام الفكرة بحكم خبرته..
وبدأ خالد ببيع ممتلكات أبيه من أراضي وعقارات حتى يحصل على الأرض التي يبغاها بالصحراء ليبدأ مشروعه, ولكنه لم ينس مختار...
ورآها, عن قصد منه تتبعها, زادت بريقاً وجمالاً, شعرها المموج بحمرته المسترسلة بثقة على كتفيها وشفتاها التي طالما تزينت بلون الكرز, عيناها والبحر الثائر بداخلهما..
لم تصدق نفسها عندما وجدته يقترب منها, كانت قد ارتشفت القليل من قهوتها الصباحية بأحد المقاهي الشهيرة, تركت الفنجان ونظرت له بدهشة: ـ خالد!.. مش ممكن!!..
ابتسم ساخراً وتابع:
ـ الدنيا دي صغيرة قوي!
كارمن:
ـ فعلاً.. وإنت شكلك كمان اتغير خالص.
نعم..
فخالد قد تغيرت ملامحه كثيراً, أضافت بشرته الداكنة وبأس السنوات لملامحه جاذبية قوية, وأصبح بنيانه الجسماني أقوى مما كان عليه بفترة المراهقة..
نظرت له كارمن بإعجاب وتابعت:
ـ بس تغيير للأحسن طبعاً!
جلس خالد في مقابلتها دون دعوة ثم ارتشف القليل من قهوتها وتابع: ـ وإنتِ إيه أخبارك؟.
كارمن:
ـ أخباري, عادي بقيت فنانة تشكيلية.
خالد:
ـ واو.. برافو.. طول عمرك بتحبي الرسم.
كارمن:
ـ لازم تيجي تزورني وتتفرج على شغلي.
خالد:
ـ كمان فتحتِ معرض؟!
كارمن:
ـ لا.. أنا بعمل معرض كل سنة ولا اتنين.. قصدي في بيتي.
خالد بدهشة ونظرة تتسم بالخبث نوعاً ما:
ـ بيتك!
كارمن:
ـ أيوه بيتي. إيه المشكلة؟
خالد:
ـ وباباكي حيرحب؟!!
ابتسمت ساخرة:
ـ مختار بيه!!... لا متقلقش.. أنا قصدي بيتي أنا.. ما هو أنا ليا بيت لوحدي دلوقتي.. تقدر تقول دي الحاجة الوحيدة اللي إستفدت بيها من جوازتي اللي فاتت!
خالد:
ـ إيه ده إتجوزتي؟!
كارمن:
ـ وإتطلقت.
خالد:
ـ زميلة يعني!
كارمن:
ـ إنت كمان!!.. طيب يبقى لازم نتقابل بقى ونحتفل بالمناسبتين دول!
خالد:
ـ أكيد.. بس أتمنى إن ده ما يسببش ليكي مشاكل.
كارمن وقد لاحت ابتسامة واثقة على شفتيها:
ـ ومن إمتى كارمن بتقلق من المشاكل؟!
خالد بثقة:
ـ يبقى إديني العنوان.
وهكذا عادت كارمن مرة أخرى بجنونها وعبثها لعالمه, ولكن تلك المرة بخطة محكمة من جانبه..
فقد حان الوقت لإسترجاع حقه المسلوب.

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.